الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الجزء الثاني والعشرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالنَّجْمِ: الثُّرَيَّا وَعَنَى بِقَوْلِهِ إِذَا هَوَى: إِذَا سَقَطَ، قَالُوا: تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالثُّرَيَّا إِذَا سَقَطَتْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} قَالَ: إِذَا سَقَطَتِ الثُّرَيَّا مَعَ الْفَجْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} قَالَ: الثُّرَيَّا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} قَالَ: سُقُوطُ الثُّرَيَّا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} قَالَ: إِذَا انْصَبَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَالْقُرْآنِ إِذَا نَزَلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَّانِيُّ أَبُو الْخَطَّابِ، قَالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} قَالَ: الْقُرْآنُ إِذَا نَزَلَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} قَالَ: «قَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ: كَفَرْتُ بِرَبِّ النَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ أَمَا تَخَافُ أَنْ يَأْكُلَكَ كَلْبُ اللَّهِ “ قَالَ: فَخَرَجَ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ قَدْ عَرَّسُوا، إِذْ سَمِعَ صَوْتَ الْأَسَدِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي مَأْكُولٌ، فَأَحْدَقُوا بِهِ، وَضُرِبَ عَلَى أَصْمِخَتِهِمْ فَنَامُوا، فَجَاءَ حَتَّى أَخَذَهُ، فَمَا سَمِعُوا إِلَّا صَوْتَه». حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ“ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فَقَالَ ابْنٌ لِأَبِي لَهَبٍ حَسِبْتُهُ قَالَ: اسْمُهُ عُتْبَةُ: كَفَرْتُ بِرَبِّ النَّجْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ احْذَرْ لَا يَأْكُلْكَ كَلْبُ اللَّهِ “؛ قَالَ: فَضَرَبَ هَامَتَهُ. قَالَ: وَقَالَ ابْنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ أَلَا تَخَافُ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ عَلَيْكَ كَلْبَهُ؟ “ فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي لَهَبٍ مَعَ نَاسٍ فَى سَفْرٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ سَمِعُوا صَوْتَ الْأَسَدِ. فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا يُرِيدُنِي، فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ وَجَعَلُوهُ فِي وَسَطِهِمْ، حَتَّى إِذَا نَامُوا جَاءَ الْأَسَدُ فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ». وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: عَنَى بِقَوْلِهِ: (وَالنَّجْمِ) وَالنُّجُومِ. وَقَالَ: ذَهَبَ إِلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى الْجَمِيعُ، وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ رَاعِي الْإِبِلِ: فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحِيرَةٍ *** سَرِيعٌ بِأيْدِي الْآكِلِينَ جُمُودُهَا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِالنَّجْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الثُّرَيَّا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَدْعُوهَا النَّجْمَ، وَالْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَالَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا الْقَوْلَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا حَادَّ صَاحِبُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا زَالَ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ {وَمَا غَوَى}: وَمَا صَارَ غَوِيًّا، وَلَكِنَّهُ رَشِيدٌ سَدِيدٌ؛ يُقَالُ: غَوَى يَغْوِي مِنَ الْغَيِّ، وَهُوَ غَاوٍ، وَغَوِيٌّ يَغْوَى مِنَ اللَّبَنِ إِذَا بَشِمَ. وَقَوْلُهُ: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} جَوَابُ قِسْمِ وَالنَّجْمِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَنْطِقُ مُحَمَّدٌ بِهَذَا الْقُرْآنِ عَنْ هَوَاهُ {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} يَقُولُ: مَا هَذَا الْقُرْآنُ إِلَّا وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ يُوحِيهِ إِلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}: أَيْ مَا يَنْطِقُ عَنْ هَوَاهُ {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} قَالَ: يُوحِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى جِبْرَائِيلَ، وَيُوحِي جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} بِالْهَوَى. وَقَوْلُهُ {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَلَّمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَنَى بِقَوْلِهِ {شَدِيدُ الْقُوَى} شَدِيدُ الْأَسْبَابِ. وَالْقُوَى: جَمْعُ قُوَّةٍ. كَمَا الْجُثَى: جَمَعَ جُثْوَةٍ، وَالْحُبَى: جَمْعُ حَبْوَةٍ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: الْقِوَى: بِكَسْرِ الْقَافِ، كَمَا تُجْمَعُ الرُّشْوَةُ رِشًا بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْحُبْوَةُ حِبًا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ: رُشْوَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَرِشْوَةٌ بِكَسْرِهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ مَنْ جَمَعَ ذَلِكَ رِشًا بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: وَاحِدُهَا رِشْوَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعُ مَنْ جَمَعَ ذَلِكَ بِضَمِّ الرَّاءِ، مِنْ لُغَةِ مَنْ ضَمَّ الرَّاءَ فِي وَاحِدِهَا وَإِنْ جَمَعَ بِالْكَسْرِ مَنْ كَانَ لُغَتُهُ مِنَ الضَّمِّ فِي الْوَاحِدَةِ، أَوْ بِالضَّمِّ مَنْ كَانَ مِنْ لُغَتِهِ الْكَسْرُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ حَمْلُ إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} يَعْنِي جِبْرِيلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} قَالَ: جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {ذُو مِرَّةٍ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: ذُو خَلْقِ حَسَنٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {ذُو مِرَّةٍ} قَالَ: ذُو مَنْظَرٍ حَسَنٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}: ذُو خَلْقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ذُو قُوَّةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} قَالَ: ذُو قُوَّةٍ جِبْرِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ {ذُو مِرَّةٍ} قَالَ: ذُو قُوَّةٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} قَالَ: ذُو قُوَّةٍ، الْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْمِرَّةِ: صِحَّةَ الْجِسْمِ وَسَلَامَتَهُ مِنَ الْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ. وَالْجِسْمُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ مِنَ الْإِنْسَانِ، كَانَ قَوِيًّا، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمِرَّةَ وَاحِدَةُ الْمِرَرِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ: ذُو مِرَّةٍ سَوِيَّةٍ. وَإِذَا كَانَتِ الْمِرَّةُ صَحِيحَةً، كَانَ الْإِنْسَانُ صَحِيحًا. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِي»“. وَقَوْلُهُ {فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} يَقُولُ: فَاسْتَوَى هَذَا الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ وَصَاحِبُكُمْ مُحَمَّدٌ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَذَلِكَ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوَى هُوَ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِمَطْلَعِ الشَّمْسِ الْأَعْلَى، وَهُوَ الْأُفُقُ الْأَعْلَى، وَعَطَفَ بِقَوْلِهِ: “ وَهُوَ “ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: “ فَاسْتَوَىَ “ مِنْ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا أَرَادُوا الْعَطْفَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُظْهِرُوا كِنَايَةَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُوا: اسْتَوَى هُوَ وَفُلَانٌ، وَقَلَّمَا يَقُولُونَ اسْتَوَى وَفُلَانٌ، وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ أَنْشَدَهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّبْعَ يَصْلُبُ عُودُهُ *** وَلَا يَسْتَوِي وَالْخِرْوَعُ الْمُتَقَصِّفُ فَرَدَّ الْخِرْوَعَ عَلَىَ “ مَا “ فِي يَسْتَوِي مِنْ ذِكْرِ النَّبْعِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا} فَعَطَفَ بِالْآبَاءِ عَلَى الْمُكَنَّى فِي (كُنَّا) مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ " نَحْنُ "، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَاسْتَوَى وَهُوَ}، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُسْتَوِيَ: هُوَ جِبْرِيلُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَؤُنَةَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ (وَهُوَ) مِنْ ذِكْرِ اسْمِ جِبْرِيلَ، وَكَأَنَّ قَائِلُ ذَلِكَ وَجَّهَ مَعْنَى قَوْلِهِ (فَاسْتَوَى): أَيِ ارْتَفَعَ وَاعْتَدَلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} وَالْأُفُقُ: الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ النَّهَارُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} قَالَ: بِأُفُقِ الْمَشْرِقِ الْأَعْلَى بَيْنَهُمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} يَعْنِي جِبْرِيلُ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} قَالَ: السَّمَاءُ الْأَعْلَى، يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَلَّى إِلَيْهِ، وَهَذَا مِنَ الْمُؤَخِّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَإِنَّمَا هُوَ: ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا، وَلَكِنَّهُ حَسُنَ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ (دَنَا)، إِذْ كَانَ الدُّنُوُّ يَدُلُّ عَلَى التَّدَلِّي وَالتَّدَلِّي عَلَى الدُّنُوِّ، كَمَا يُقَالُ: زَارَنِي فُلَانٌ فَأَحْسَنَ، وَأَحْسَنَ إِلَيَّ فَزَارَنِي وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ، وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ هِيَ الشَّتْمُ: وَالشَّتْمُ هُوَ الْإِسَاءَةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} قَالَ: جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} يَعْنِي: جِبْرِيلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} قَالَ: هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ دَنَا الرَّبُّ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَلَّى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْأُمَوِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} قَالَ: دَنَا رَبُّهُ فَتَدَلَّى. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ الْمَسْرَى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “ «أَنَّهُ عَرَجَ جِبْرَائِيلُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُمَّ عَلَا بِهِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَا شَاءَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِيمَا أَوْحَى خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَة»، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ “. وَقَوْلُهُ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} يَقُولُ: فَكَانَ جِبْرَائِيلُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَدْرِ قَوْسَيْنِ، أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، يَعْنِي: أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ، يُقَالُ: هُوَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ، وَقِيبَ قَوْسَيْنِ، وَقِيدَ قَوْسَيْنِ، وَقَادَ قَوْسَيْنِ، وَقَدَى قَوْسَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى قَدْرِ قَوْسَيْنِ. وَقِيلَ: إِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {قَابَ قَوْسَيْنِ} قَالَ: حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} قَالَ: قِيدَ قَوْسَيْنِ. وَقَالَ ذَلِكَ قَتَادَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} قَالَ: قِيدَ، أَوْ قَدْرَ قَوْسَيْنِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}: قَالَ: دَنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَدْرَ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ {قَابَ قَوْسَيْنِ} قَالَ: لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْقَوْسِ، وَلَكِنْ قَدْرُ الذِّرَاعَيْنِ أَوْ أَدْنَى؛ وَالْقَابُ: هُوَ الْقِيدُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي ذَلِكَ، بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِئَةِ جَنَاح». حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَ: رَأَى جِبْرَائِيلَ سِتُّمِئَةِ جَنَاحٍ فِي صُورَتِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا قَبِيصُ بْنُ لَيْثٍ الْأَسَدِيُّ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ سِتُّمِئَةِ جَنَاحٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ: كَانَ أَوَّلُ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَجْيَادَ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ، فَصَرَخَ بِهِ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ؛ فَنَظَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ثَلَاثًا؛ ثُمَّ خَرَجَ فَرَآهُ، فَدَخَلَ فِي النَّاسِ، ثُمَّ خَرَجَ، أَوْ قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ “ أَنَا أَشُكُّ “، فَرَآهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}... إِلَى قَوْلِهِ: (فَتَدَلَّى) جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} يَقُولُ: الْقَابُ: نِصْفُ الْأُصْبُعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذِرَاعَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَ: لَهُ سِتُّمِئَةِ جَنَاحٍ، يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُلِ عَائِشَة: مَا قَوْلُهُ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} فَقَالَتْ: إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ، كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ، فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي دَنَا فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى: جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَ: اللَّهُ مِنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ الَّذِي كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى: مُحَمَّدٌ مِنْ رَبِّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: “ لَمْ أَرَهُ بِعَيْنِي، وَرَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ“، ثُمَّ تَلَا {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}». حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضِرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَاصٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا عُرِجَ بِي، مَضَى جِبْرِيلُ حَتَّى جَاءَ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَأُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى جَاءَ السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَدَنَا رَبُّكَ فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»“. وَقَوْلُهُ {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ وَحْيَهُ، وَجَعَلُوا قَوْلَهُ: {مَا أَوْحَى} بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: عَبَدَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ. وَقَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ“ مَا “ لِلْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى“ الَّذِيَ “، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ رَبُّهُ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}، قَالَ الْحَسَنُ: جِبْرِيلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبَى جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: أَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ، لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ جَرَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَوْلُهُ {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} فِي سِيَاقِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْصِرَافِ الْخَبَرِ عَنْهُمَا، فَيُوَجَّهُ ذَلِكَ إِلَى مَا صُرِفَ إِلَيْهِ. وَقَوْلُهُ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا الَّذِي رَأَى، وَلَكِنَّهُ صَدَّقَهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي رَآهُ فُؤَادُهُ فَلَمْ يُكَذِّبْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِي رَآهُ فُؤَادُهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَقَالُوا جَعَلَ بَصَرَهُ فِي فُؤَادِهِ، فَرَآهُ بِفُؤَادِهِ، وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنِي عَمِّي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضِرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَ عِبَادٌ، يَعْنِي ابْنَ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِهِ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ أَقُولَ لَكَ قَدْ رَآهُ، نَعَمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ قَدْ رَآهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، وَسُئِلَ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، قَالَ نَعَمْ، قَدْ رَأَى رَبَّهُ. قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا سَالِمٌ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى التَّمِيمِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَيَّارٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زُرْبِىٍّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَّ فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ فِي الدَّرَجَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ، وَانْتَظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ؟ فَقَالَ: أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟ أَلَمْ أَضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ. قَالَ: “ فَأَفْضَى إِلَيَّ بِأشْيَاءَ لَمْ يُؤْذَنْ لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهَا؛ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِهِ يُحَدِّثْكُمُوهُ: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى “ فَجَعَلَ نُورَ بَصَرِي فِي فُؤَادِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِفُؤَادِي“. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ قَالَا ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: رَآهُ مَرَّتَيْنِ بِفُؤَادِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخُلَّةِ، وَاصْطَفَى مُوسَى بِالْكَلَامِ، وَاصْطَفَى مُحَمَّدًا بِالرُّؤْيَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. قَالَ ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} فَلَمْ يُكَذِّبْهُ {مَا رَأَى} قَالَ: رَأَى رَبَّهُ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ الَّذِي رَآهُ فُؤَادُهُ فَلَمْ يُكَذِّبْهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ بُزَيْعٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ حَلَّتَا رَفْرَفٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَوْزَجَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، لَهُ سِتُّمِئَةِ جَنَاحٍ، يَنْفُضُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلَ الدّرَّ وَالْيَاقُوت»“. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَا ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ وَاقِدٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى لَهُ سِتُّمِئَةِ جَنَاح»“ زَادَ الرِّفَاعِيُّ فِي حَدِيثِهِ، فَسَأَلْتُ عَاصِمًا عَنْ الْأَجْنِحَةِ، فَلَمْ يُخْبِرْنِي، فَسَأَلْتُ أَصْحَابِي، فَقَالُوا: كُلُّ جَنَاحٍ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: رَأَى جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتِهِ، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ (كَذَبَ) بِالتَّخْفِيفِ، غَيْرَ عَاصِمٍ الْجَحْدَرَيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّهُمْ قَرَءُوهُ “ كَذَّبَ “ بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى: أَنَّ الْفُؤَادَ لَمْ يُكَذِّبِ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُ حَقًّا وَصِدْقًا، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: مَا كَذَّبَ صَاحِبُ الْفُؤَادِ مَا رَأَى. وَقَدْ بَيَّنَا مَعْنَى مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّخْفِيفِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَدْفُوعَةِ صِحَّتُهَا لِصِحَّةِ مَعْنَاهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ (أَفَتُمَارُونَهُ)، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ“ أَفَتَمْرُونَهُ “ بِفَتْحِ التَّاءِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَهُ إِلَى أَفَتَجْحَدُونَهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: “ أَفَتَمْرُونَهُ “ بِفَتْحِ التَّاءِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، يَقُولُ: أَفَتَجْحَدُونَهُ , وَمَنْ قَرَأَ (أَفَتُمَارُونَهُ) قَالَ: أَفَتُجَادِلُونَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ (أَفَتُمَارُونَهُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَالْأَلِفِ، بِمَعْنَى: أَفَتُجَادِلُونَهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ جَحَدُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَرَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَجَادَلُوا فِي ذَلِكَ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: أَفَتُجَادِلُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مُحَمَّدًا عَلَى مَا يَرَى مِمَّا أَرَاهُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ. وَقَوْلُهُ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} يَقُولُ: لَقَدْ رَآهُ مَرَّةً أُخْرَى. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي رَأَى مُحَمَّدٌ نَزْلَةً أُخْرَى نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}. ذَكَرَ بَعْضُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ فِيهِ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة، أَنَّ عَائِشَة قالَتْ: «يَا أَبَا عَائِشَة مِنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ؛ قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا، فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي، أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} قَالَ: إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ رَآهُ مَرَّةً عَلَى خَلْقِهِ وَصُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، وَرَآهُ مَرَّةً أُخْرَى حِينَ هَبَطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ“ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام»“. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة بنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَة، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَة رضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا عَائِشَة، مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}- {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا، فَجَلَسْتُ وَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ انْتَظِرِي وَلَا تَعْجَلِي أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}- {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: “ لَمْ أَرَ جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ إِلَّا هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ“. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَة، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَة، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي رَفْرَفٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي وَبَرِ رِجْلَيْهِ كَالدُّرِّ، مِثْلُ الْقَطْرِ عَلَى الْبَقْلِ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِي، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُرَّةَ فَى قَوْلِهِ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ تَبَاكَّ وَتَعَالَى قَسَّمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ، فَكَلَّمَهُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ، وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: فَأَتَى مَسْرُوقٌ عَائِشَة، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي لِمَا قُلْتَ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ حَدَّثَكَ بِهِنَّ فَقَدْ كَذَبَ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} وَمِنْ أَخْبَرَكَ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ تَلَتْ آخِرَ سُورَةِ لُقْمَانَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} وَمِنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) قَالَتْ: وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثَنِي إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَيَانٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ فَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّةً، وَكَلَّمَهُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ فِيهِ: رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: إِنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ بِقَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَ ذَلِكَ: أَلَيْسَ {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}؟ قَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: أَلَيْسَ تَرَى السَّمَاءَ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَكُلَّهَا تَرَى؟. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} قَالَ: دَنَا رَبُّهُ فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى؛ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ رَآهُ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَ "عِنْد" مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ (رَآهُ) وَالسِّدْرَةُ: شَجَرَةُ النَّبْقِ. وَقِيلَ لَهَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، لِأَنَّهُ إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ كُلُّ عَالَمٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَالَ لَهُ حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا سِدْرَةٌ فِي أَصْلِ الْعَرْشِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ كُلُّ عَالَمٍ، مَلِكٍ مُقَرَّبٍ، أَوْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، مَا خَلْفَهَا غَيْبٌ، لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا، عَنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا سِدْرَةٌ عَلَى رُءُوسِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الْخَلَائِقِ، ثُمَّ لَيْسَ لِأَحَدٍ وَرَاءَهَا عِلْمٌ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، لِانْتِهَاءِ الْعِلْمِ إِلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، لِأَنَّهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ مِنْ فَوْقِهَا، وَيَصْعَدُ مِنْ تَحْتِهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَيْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِي بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَنْ يَعْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ تَحْتِهَا، فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ مِنْ فَوْقِهَا، فَيُقْبَضُ فِيهَا. حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَعْلَى، عَنِ الْأَجْلَحِ، قَالَ: قُلْتُ لِلضَّحَّاكِ: لِمَ تُسَمَّى سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَا يَعْدُوهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهَا: سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَاجِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}، قَالَ: إِلَيْهَا يَنْتَهِي كُلُّ أَحَدٍ، خَلَا عَلَى سُنَّةِ أَحْمَدَ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْمُنْتَهَى. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازَّيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ غَيْرِهِ“ شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازَّيُّ“ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ السِّدْرَةُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ خَلَا مِنْ أُمَّتِكَ عَلَى سُنَّتِكَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنْ مَعْنَى الْمُنْتَهَى الِانْتِهَاءُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: عِنْدَ سِدْرَةِ الِانْتِهَاءِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى: لِانْتِهَاءِ عِلْمِ كُلِّ عَالَمٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ كَعْبٌ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيلَ ذَلِكَ لَهَا، لِانْتِهَاءِ مَا يَصْعَدُ مِنْ تَحْتِهَا، وَيَنْزِلُ مِنْ فَوْقِهَا إِلَيْهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِانْتِهَاءِ كُلِّ مَنْ خَلَا مِنَ النَّاسِ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا خَبَرَ يَقْطَعُ الْعُذْرَ بِأَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ لَهَا لِبَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، فَلَا قَوْلَ فِيهِ أَصَحُّ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ، وَهُوَ أَنَّهَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي أَنَّهَا شَجَرَةُ النَّبْقِ تَتَابَعَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ. ذِكْرُ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «انْتَهَيْتُ إِلَى السِّدْرَةِ فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ الْجِرَارِ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَهَا، تَحَوَّلَتْ يَاقُوتًا وَزُمُرُّدًا وَنَحْوَ ذَلِك»“. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «لَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ أَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبَا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قَالَ: ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَحَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّ نَبَقَهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَأَنْ وَرَقَهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَة»“. وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتِ البُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَكِبْتُ الْبُرَاقَ ثُمَّ ذُهِبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ؛ قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنِهَا، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى»“. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو النَّضِرِ، قَالَ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «عَرَجَ بِي الْمَلَكُ؛ قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى السِّدْرَةِ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهَا سِدْرَةٌ، أَعْرِفُ وَرَقَهَا وَثَمَرَهَا؛ قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَهَا تَحَوَّلَتْ حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَصِفَهَا»“. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: “ حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَهَا“. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازَّيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحَيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ “ شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازَّيُّ“ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ السِّدْرَةُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ خَلَا مَنْ أَمَّتِكَ عَلَى سُنَّتِكَ، فَإِذَا هِيَ شَجَرَةٌ يَخْرُجُ مِنْ أَصِلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعُهَا، وَالْوَرَقَةُ مِنْهَا تُغَطِّي الْأُمَّةَ كُلَّهَا “. وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، أُرَاهُ عَنِ الْهُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} قَالَ: مِنْ صُبْرِ الْجَنَّةِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ فُضُولُ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ، أَوْ جَعَلَ عَلَيْهَا فُضُولَ. وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ مَرَّةً أُخْرَى، عَنْ مِهْرَانَ، فَقَالَ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ“ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ “، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ صُبْرُ الْجَنَّةِ: يَعْنِي وَسَطُهَا؛ وَقَالَ أَيْضًا: عَلَيْهَا فُضُولُ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنِ الْهُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ {سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} قَالَ: صُبْرُ الْجَنَّةِ عَلَيْهَا السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَقَالَ: يَسِيرُ فِي ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا مِئَةُ رَاكِبٍ، أَوْ قَالَ: يَسْتَظِلُّ فِي الْفَنَنِ مِنْهَا مِئَةُ رَاكِبٍَ “، » شَكَّ يَحْيَى“ «فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ، كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَال»“. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، قَالَ: السِّدْرَةُ: شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةُ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَإِنَّ وَرَقَةً مِنْهَا غَشَتِ الْأُمَّةَ كُلَّهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ «رُفِعَتْ لِي سِدْرَةٌ مُنْتَهَاهَا فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، قَالَ: قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَا هَذَانَ النَّهْرَانِ أَرْوَاحٌ قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ، فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا النَّهْرَانِ الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَات»“. وَقَوْلُهُ {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى جَنَّةُ مَأْوَى الشُّهَدَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} قَالَ: هِيَ يَمِينُ الْعَرْشِ، وَهِيَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ (فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} قَالَ: مَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ. وَقَوْلُهُ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى؛ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، فَ "إِذ" مِنْ صِلَةِ " رَآهُ ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي يَغْشَى السِّدْرَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَشِيَهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: غَشِيَهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ أَوْ طَلْحَةَ“ شَكَّ الْأَعْمَشُ“ عَنْ مَسْرُوقٍ فِي قَوْلِهِ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: غَشِيَهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «رَأَيْتُهَا بِعَيْنِيَّ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى حَتَّى اسْتَثْبَتُّهَا ثُمَّ حَالَ دُونَهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَب»“. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ «رَأَيْتُهَا حَتَّى اسْتَثْبَتُّهَا، ثُمَّ حَالَ دُونَهَا فَرَاشُ الذَهَب»“. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: غَشِيَهَا فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ثَنَا مَهْرَانُ، عَنْ مُوسَى، يَعْنِي ابْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: “ «سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْتَ يَغْشَى السِّدْرَةَ؟ قَالَ: رَأَيْتُهَا يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَب»“. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: «قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ رَأَيْتَ يَغْشَى تِلْكَ السِّدْرَةَ؟ قَالَ: رَأَيْتُهَا يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْ وَرَقِهَا مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّحُ اللَّه»“. وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِي غَشِيَهَا رَبُّ الْعِزَّةِ وَمَلَائِكَتُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: غَشِيَهَا اللَّهُ، فَرَأَى مُحَمَّدٌ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: كَانَ أَغْصَانُ السِّدْرَةِ لُؤْلُؤًا وَيَاقُوتًا أَوْ زَبَرْجَدًا، فَرَآهَا مُحَمَّدٌ، وَرَأَى مُحَمَّدٌ بِقَلْبِهِ رَبَّهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قَالَ: غَشِيَهَا نُورُ الرَّبِّ، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِنْ حُبِّ اللَّهِ مِثْلَ الْغِرْبَانِ حِينَ يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرِ “. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازَّيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ “ شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ“ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ، قَالَ: فَغَشِيَهَا نُورُ الْخَلَّاقِ، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ أَمْثَالَ الْغِرْبَانِ حِينَ يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرِ، قَالَ: فَكَلَّمَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا مَالَ بَصَرُ مُحَمَّدٍ يَعْدِلُ يَمِينًا وَشِمَالًا عَمَّا رَأَى، أَيْ وَلَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ قَطْعًا، يَقُولُ: فَارْتَفَعَ عَنِ الْحَدِّ الَّذِي حُدَّ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَى قَوْلِهِ {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} قَالَ: مَا زَاغَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَلَا طَغَى، وَلَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} قَالَ رَأَى جِبْرَائِيلَ فِي صُورَةِ الْمَلَكِ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} قَالَ: مَا زَاغَ: ذَهَبَ يَمِينًا وَلَا شَمَالًا وَلَا طَغَى: مَا جَاوَزَ. وَقَوْلُهُ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ هُنَالِكَ مِنْ أَعْلَامِ رَبِّهِ وَأَدِلَّتِهِ الْأَعْلَامَ وَالْأَدِلَّةَ الْكُبْرَى. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ الْكُبْرَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: رَفْرَفًا أَخْضَرَ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَنِ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَفْرَفًا أَخْضَرَ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ. وَقَالَ آخَرُونَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: جِبْرِيلُ رَآهُ فِي خَلْقِهِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ فِي السَّمَوَاتِ، قَدَرَ قَوْسَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ اللَّاتَ، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ أُلْحِقَتْ فِيهِ التَّاءُ فَأُنِّثَتْ، كَمَا قِيلَ عَمْرٌو لِلذَّكَرِ، وَلِلْأُنْثَى عَمْرَةُ؛ وَكَمَا قِيلَ لِلذَّكَرِ عَبَّاسٌ، ثُمَّ قِيلَ لِلْأُنْثَى عَبَّاسَةٌ، فَكَذَلِكَ سَمَّى الْمُشْرِكُونَ أَوْثَانَهُمْ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، فَقَالُوا مِنَ اللَّهِ اللَّاتَ، وَمِنَ الْعَزِيزِ الْعُزَّى؛ وَزَعَمُوا أَنَّهُنَّ بَنَاتُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ وَافْتَرَوْا، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ: أَفَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا الزَّاعِمُونَ أَنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ بَنَاتُ اللَّهِ {أَلَكُمُُ الذَّكَرُ} يَقُولُ: أَتَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِكُمْ الذَّكَرَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَتَكْرَهُونَ لَهَا الْأُنْثَى، وَتَجْعَلُونَ لَهُ الْأُنْثَى الَّتِي لَا تَرْضَوْنَهَا لِأَنْفُسِكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ تَقْتُلُونَهَا كَرَاهَةً مِنْكُمْ لَهُنَّ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (اللَّاتَ) فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ. وَذُكِرَ أَنَّ اللَّاتَ بَيْتٌ كَانَ بِنَخْلَةَ تَعْبُدُهُ قُرَيْشٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ بِالطَّائِفِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} أَمَّا اللَّاتُ فَكَانَ بِالطَّائِفِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} قَالَ: اللَّاتُ بَيْتٌ كَانَ بِنَخْلَةَ تَعْبُدُهُ قُرَيْشٌ. وَقَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ“ اللَّاتَّ “ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَجَعَلُوهُ صِفَةً لِلْوَثَنِ الَّذِي عَبَدُوهُ، وَقَالُوا: كَانَ رَجُلًا يَلُتُّ السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ؛ فَلَمَّا مَاتَ عَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ فَعَبَدُوهُ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَّ وَالْعُزَّى قَالَ: كَانَ يَلُتُّ السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ، فَعُكِفَ عَلَى قَبْرِهِ. قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَّ قَالَ: اللَّاتُّ: كَانَ يَلُتُّ السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ“ اللَّاتَّ “ قَالَ: كَانَ يَلُتُّ السَّوِيقَ فَمَاتَ، فَعَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ“ اللَّاتَّ “ قَالَ: رَجُلٌ يَلُتُّ لِلْمُشْرِكِينَ السَّوِيقَ، فَمَاتَ فَعَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ“ اللَّاتَّ “ قَالَ: اللَّاتُّ: الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَى آلِهَتِهِمْ، يَلُتُّ لَهُمُ السَّوِيقَ، وَكَانَ بِالطَّائِفِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ يَلُتُّ السَّوِيقِ لِلْحَاجِّ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ لِقَارِئِهِ كَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ. وَأمَّا الْعُزَّى فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ شَجَرَاتٌ يَعْبُدُونَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَالْعُزَّى) قَالَ: الْعُزَّى: شُجَيْرَاتٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَتِ الْعُزَّى حَجَرًا أَبْيَضَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ (الْعُزَّى): حَجَرًا أَبْيَضَ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ بَيْتًا بِالطَّائِفِ تَعْبُّدُهُ ثَقِيفٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ (وَالْعُزَّى) قَالَ: الْعُزَّى: بَيْتٌ بِالطَّائِفِ تَعْبُدُهُ ثَقِيفٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ بِبَطْنِ نَخْلَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} قَالَ: أَمَّا مَنَاةُ فَكَانَتْ بُقُدَيْدٍ، آلِهَةً كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، يَعْنِي اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} قَالَ: مَنَاةُ بَيْتٌ كَانَ بِالْمُشَلَّلِ يَعْبُدُهُ بَنُو كَعْبٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ الْوَقْفِ عَلَى اللَّاتِ وَمَنَاةِ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا سَكَتَّ قُلْتَ "اللَّاتْ "، وَكَذَلِكَ مَنَاةُ تَقُولُ: " مَنَاتْ ". وَقَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّاتُ، فَجَعَلَهُ مِنَ اللَّتِّ؛ الَّذِي يُلَتُّ وَلُغَةٌ لِلْعَرَبِ يَسْكُتُونَ عَلَى مَا فِيهِ الْهَاءُ بِالتَّاءِ يَقُولُونَ: رَأَيْتُ طَلْحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَكْتُوُبٌ بِالْهَاءِ فَإِنَّهَا تَقِفُ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ، نَحْوَ "نِعْمَةِ رَبِّك" "وَشَجَرَةِ ". وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقِفُ عَلَى اللَّاتِ بِالْهَاءِ “ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاهَ “ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ يَقُولُ: الِاخْتِيَارُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُضَفْ أَنْ يَكُونَ بِالْهَاءِ "رَحْمَةً مِنْ رَبِّي "، " وَشَجَرَةٍ تَخْرُجُ "، وَمَا كَانَ مُضَافًا فَجَائِزٌ بِالْهَاءِ وَالتَّاءِ، فَالتَّاءُ لِلْإِضَافَةِ، وَالْهَاءُ لِأَنَّهُ يُفْرَدُ وَيُوقَفُ عَلَيْهِ دُونَ الثَّانِي، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَفْشَى اللُّغَاتِ وَأَكْثَرُهَا فِي الْعَرَبِ وَإِنْ كَانَ لِلْأُخْرَى وَجْهٌ مَعْرُوفٌ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: " اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ ": أَصْنَامٌ مِنْ حِجَارَةٍ كَانَتْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَعْبُدُونَهَا. وَقَوْلُهُ {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} يَقُولُ: أَتَزْعُمُونَ أَنَّ لَكُمُ الذَّكَرَ الَّذِي تَرْضَوْنَهُ، وَلِلَّهِ الْأُنْثَى الَّتِي لَا تَرْضَوْنَهَا لِأَنْفُسِكُمْ {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قِسْمَتِكُمْ هَذِهِ قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ غَيْرُ مُسْتَوِيَةٍ، نَاقِصَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ، لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ لِرَبِّكُمْ مِنَ الْوَلَدِ مَا تَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَآثَرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِمَا تَرْضَوْنَهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ضِزْتُهُ حَقَّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ، وَضُزْتُهُ بِضَمِّهَا فَأَنَا أَضِيزُهُ وَأُضُوزُهُ، وَذَلِكَ إِذَا نَقَصْتُهُ حَقَّهُ وَمَنَعْتُهُ وَحُدِّثْتُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: أَنْشَدَنِي الْأَخْفَشُ: فَإِنْ تَنْأَ عَنَّا نَنْتَقِصْكَ وَإِنْ تَغِبْ *** فَسَهْمُكَ مَضْئُوزٌ وَأَنْفُكَ رَاغِمُ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: ضَيْزَى بِفَتْحِ الضَّادِ وَتَرْكِ الْهَمْزِ فِيهَا؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ضَأْزَى بِالْفَتْحِ وَالْهَمْزِ، وَضُؤْزَى بِالضَّمِّ وَالْهَمْزِ، وَلَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ اللُّغَاتِ. وَأَمَّا الضِّيزَى بِالْكَسْرِ فَإِنَّهَا فَعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ، وَإِنَّمَا كُسِرَتِ الضَّادُ مِنْهَا كَمَا كُسِرَتْ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَوْمٌ بِيضٌ وَعِينٌ، وَهِيَ“ فُعْلٌ “ لِأَنَّ وَاحِدَهَا بَيْضَاءُ وَعَيْنَاءُ لِيؤَلِّفُوا بَيْنَ الْجَمْعِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ، وَكَذَلِكَ كَرِهُوا ضَمَّ الضَّادِ مِنْ ضِيزَى، فَتَقُولَ: ضُوزَى، مَخَافَةَ أَنْ تَصِيرَ بِالْوَاوِ وَهِيَ مِنَ الْيَاءِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا قُضِيَتْ عَلَى أَوَّلِهَا بِالضَّمِّ، لِأَنَّ النُّعُوتَ لِلْمُؤَنَّثِ تَأْتِي إِمَّا بِفَتْحٍ، وَإِمَّا بِضَمٍّ , فَالْمَفْتُوحُ: سَكْرَى وَعَطْشَى وَالْمَضْمُومُ: الْأُنْثَى وَالْحُبْلَى؛ فَإِذَا كَانَ اسْمًا لَيْسَ بِنَعْتٍ كُسِرَ أَوَّلُهُ، كَقَوْلِهِ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} كُسِرَ أَوَّلُهَا، لِأَنَّهَا اسْمٌ لَيْسَ بِنَعْتٍ، وَكَذَلِكَ الشِّعْرَى كُسِرَ أَوَّلُهَا، لِأَنَّهَا اسْمٌ لَيْسَ بِنَعْتٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {قِسْمَةٌ ضِيزَى} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ بِالْعِبَارَةِ عَنْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْمَةٌ عَوْجَاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} قَالَ: عَوْجَاءُ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} يَقُولُ: قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {قِسْمَةٌ ضِيزَى} قَالَ: قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ أَبُو عُبَيْدٍ الوصائيُّ قَالَ: ثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ عَمْرَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} قَالَ: تِلْكَ إِذَا قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ لَا حَقَّ فِيهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: قِسْمَةٌ مَنْقُوصَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} قَالَ: مَنْقُوصَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِسْمَةٌ مُخَالَفَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} قَالَ: جَعَلُوا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَنَاتٍ، وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ لِلَّهِ بَنَاتٍ، وَعَبَدُوهُمْ، وَقَرَأَ {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ وَإِذَا بُشِّرَ}... الْآيَةَ، وَقَرَأَ {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ}... إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، وَقَالَ: دَعَوْا لِلَّهِ وَلَدًا، كَمَا دَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَرَأَ {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} قَالَ: وَالضِّيزَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمُخَالَفَةُ، وَقَرَأَ {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنَزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي سَمَّيْتُمُوهَا وَهِيَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَنَاةُ الثَّالِثَةُ الْأُخْرَى، إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَآبَاؤُكُمْ مِنْ قَبْلِكُمْ، مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا، يَعْنِي بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، يَقُولُ: لَمْ يُبِحِ اللَّهُ ذَلِكَ لَكُمْ، وَلَا أَذِنَ لَكُمْ بِهِ. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {مِنْ سُلْطَانٍ}... إِلَى آخَرَ الْآيَةِ. وَقَوْلُهُ {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يَتْبَعُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّوْا بِهَا آلِهَتَهُمْ إِلَّا الظَّنَّ بِأَنَّ مَا يَقُولُونَ حَقٌّ لَا الْيَقِينَ {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} يَقُولُ: وَهَوَى أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ عَنْ وَحْيٍ جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَلَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبَرَهُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتِرَاقٌ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ أَخَذُوهُ عَنْ آبَائِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} يَقُولُ: وَلَقَدْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ رَبِّهِمُ الْبَيَانُ مِمَّا هُمْ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ، وَذَلِكَ تَسْمِيَتُهُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَعِبَادَتُهُمْ إِيَّاهَا. يَقُولُ: لَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى فِي ذَلِكَ، وَالْبَيَانُ بِالْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عِبَادَتَهَا لَا تَنْبَغِي، وَأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} فَمَا انْتَفَعُوا بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمِ اشْتَهَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْكَرَامَةِ الَّتِي كَرَّمَهُ بِهَا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَنْزَلَ الْوَحْيَ عَلَيْهِ، وَتَمَنَّى ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ رَبُّهُ، فَلِلَّهِ مَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَهِيَ الدُّنْيَا، يُعْطِي مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ مَا شَاءَ، وَيَحْرِمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} قَالَ: وَإِنَّ كَانَ مُحَمَّدٌ تَمَنَّى هَذَا، فَذَلِكَ لَهُ. وَقَوْلُهُ {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي: كَثِيرٌ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، لَا تَنْفَعُ شَفَاعَتُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ شَفَعُوا لَهُ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ وَيَرْضَى، يَقُولُ: وَمِنْ بَعْدِ أَنْ يَرْضَى لِمَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ يَشْفَعُونَ لَهُ أَنَّ يَشْفَعُوا لَهُ، فَتَنْفَعُهُ حِينَئِذٍ شَفَاعَتُهُمْ، وَإِنَّمَا هَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَهُمْ: مَا تَنْفَعُ شَفَاعَةُ مَلَائِكَتِي الَّذِينَ هُمْ عِنْدِي لِمَنْ شَفَعُوا لَهُ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِي لَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ لَهُ وَرِضَايَ، فَكَيْفَ بِشَفَاعَةِ مَنْ دُونَهُمْ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ شَفَاعَةَ مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ غَيْرُ نَافِعَتِهِمْ.
|